عندما نتحدث عن الأنظمة الديكتاتورية، قد نفكر في الإعلام المسيّس من قبل الدولة، والجيش الذي يحارب إلى جانب النظام. ولكن ماذا عن قطاع الرعاية الصحية؟ هل يتحالفون مع النظام؟ و كيف؟
منذ بداية النزاع في سوريا، لعب الأطباء المتحالفون مع النظام دورًا غامضًا داخل منظومة التعذيب التابعة لنظام الأسد. في هذه الحلقة، نلقي نظرة على الجانب المظلم من الطب أو العنف الطبّي في سياق النزاع السوري
يغطي بودكاست "الفرع 251: جرائم سورية قيد المحاكمة" مجريات المحاكمة التاريخية الخاصة بجرائم ارتكبت في سوريا، والمعروفة باسم محاكمة "فرع الخطيب"، والتي تتم في مدينة كوبلينز الألمانية. نقدم لكم حلقات رئيسية مرتين شهريا ونشارك معكم بين كل حلقة رئيسية وأُخرى تحديثاً يتعلق بمُجرَيات المحاكمة. تابعونا عبر تويتر وعلى منصات الاستماع المختلفة
تحذير: هذه الحلقة تحتوي وصف للأفرع الأمنية والسجون وتتحدث عن موضوع التعذيب، لذلك وجب التنويه ويرجى توخي الحذر عند الاستماع
اعداد وكتابة باولينا بيك وأنصار شحّود، تقديم ومشاركة في التحرير نور حمادة و نايا سكاف، تحرير فريتز سترايف، مشاركة في التقديم، تحرير وانتاج سليم سلامه، كتابة وتقديم المستجدات هنا الهيتمي، ترجمة النص من الإنجليزية إلى العربية طلال بو خضر، ومن النشر والتواصل فرح أبو السّل
75 Podcasts نشر وتوزيع
ZIVIK قمنا بإنتاج هذه الحلقة بدعم من وزارة الخارجية الألمانية عبر معهد العلاقات الخارجية وبرنامج تمويل
laurenshebly.n تصميم الغلاف
James Lawler Duggan/AFP/Getty Images صورة الغلاف
sessions.blue مقاطع موسيقية من موقع
مصادر تم ذكرها في الحلقة
تقرير صادر عن اللجنة الدوليّة المستقلّة بشأن سوريا 2014
https://www.refworld.org/pdfid/53182eed4.pdf
تقرير هيومن رايتس ووتش لعام 2015 حول الوفيات الجماعية والتعذيب في مراكز الاحتجاز السورية https://www.hrw.org/sites/default/files/report_pdf/syria1215web_0.pdf
أطباء من أجل حقوق الإنسان: حول استهداف الكوادر الطبية في سوريا
https://phr.org/our-work/resources/medical-personnel-are-targeted-in-syria/
مقال أنصار شهود في مجلة أبحاث الإبادة الجماعية
https://www.tandfonline.com/doi/full/10.1080/14623528.2021.1979908
رسالة ماجستير أنصار شحود
https://scripties.uba.uva.nl/search?id=c3376472
مقال الغارديان 2012 حول العنف الطبي في حمص
https://www.theguardian.com/world/2012/feb/20/syrian-security-forces-target-doctors
مقال هنا الهيتمي عن العنف الطبي ومحاكمة الخطيب
تحديث المركز السوري للعدالة والمساءلة بشأن لائحة اتهام علاء. م.:
يدفعون مرّتين
مقدمة
سليم: مرحبا، انا سليم، منتج بودكاست الفرع 251 بنسخته العربية. عادة ما بتسمعو صوتي بهالبودكاست لانو اغلب شغلي خلف الكواليس، بس هالمرة انا موجود حتى انوّه انو هالحلقة بتناقش موضوع التعذيب، الاشي يلي ممكن يكون مزعج ومؤلم.
حاولنا جهدنا انو ما نعطي أي وصف تصويري للتعذيب، بس مع هيك لازم نقول إنو هالحلقة ممكن ما تكون مناسبة للجميع، بنتمنى تاخدوا هي الملاحظة بعين الاعتبار وتكونوا حذرين وانتو عم تسمعوا.
قبل ما نبدأ، رح نسمع من زميلتنا المراسلة هنا الهيتمي آخر المستجدات من قلب محكمة كوبلز، بتركهم معها وبنرجع نكمل حلقتنا…
هنا: اهلا بيكو، وشكرا سليم على التقديم
الأسبوع ده،سمعنا من شاهد كان معتقل في فرع الخطيب في شهر 4 من سنة 2012. القاضيين و القاضيات سمحوله أنه يشهد من غير ما يقول أسمه أو يدي معلومات خاصة بيه. عشان أخوه بقاله سنين مفقود في سوريا، و الشاهد كان قلقان أن شهادته ممكن تأثر على سلامة أخوه لو كان لسة عايش.
اجمالا الشاهد ده عاش نفس تجربة كثير من المعتقلين التانيين. تم تعذيبه و التحقيق معاه و ما زال يعاني من الاضطرابات النفسية اللاحقة للإصابة.
قال أنه أنور ر. ما حققش معاه شخصيا و ما شافوش خلال اعتقاله لانه كان دايما محجوب على عينيه، . لكنو سمع صوته قبل جلسة واحدة من التحقيق لما كان بيتناقش مع المحقق بخصوص اخلاء سبيل واحد من المعتقلين.
لاحقا، تعرّف الشاهد على نفس الصوت ده لما شاف أنور ر. في مكتبه لما رجع للفرع بعد الافراج عنو عشان يستلم ممتلكاته الشخصية.
لحد هنا, الشهادة دي ممكن تكون اعتيادية. لكن محاميين الدفاع قدموا وثائق تمت كتابتها من نحية المركز السوري للدراسات والابحاث القانونية اللي أنشأه محامي حقوق الانسان السوري أنور البني. المركز كان عندو شهادة الشاهد في الماضي، وكانت إدت وقتها الوثائق دي للشرطة.
الوثائق دي كانت بتحتوي على موجز عن شهادة الشاهد لكن مع اختلافات مهمة:
في الموجز دا مكتوب أنه أنور ر. حقق مع الشاهد و أمر بتعذيبه و هدده. لكن في المحكمة الشاهد أكد أنه المعلومات دي مش صحيحة… وقال أن التحقيق و الأمر بالتعذيب و التهديد تم من شخص تاني و مش من أنور ر.
الدفاع طلب استدعاء أنور البني مرة تانية عشان يسألوه مين الي كتب الموجز دا و ليه في فرق بينو و بين شهادة الشاهد ة في المحكمة.
محامي الدفاع قال أنه محتاج المعلومات دي عشان يحلل ما سماه "مشكلة البني".
زي ما شرحتلكو في حلقة سابقة الدفاع بيحاول يقترح أن أنور البني أثّر على بعض الشهادات. لكن اليوم التاني في المحكمة القاضيين و القاضيات رفضوا الطلب ده، و رفضوا كمان ستة طلبات تانيين من اللي قدمها الدفاع في الشهر اللي فات.
في معظم الحالات كان السبب أنه أهمية الشهادة المتوقعة ماكانتش كبيرة مقارنه في المجهود الكبير المطلوب لاستدعاء الشهود اللي عايشين في مصر أو الإمارات .
بالإضافة لدا، كان في شاهد مطلوب، و هو عميد سابق في الحرس الجمهوري مشهور جدا … قال للمحكمة أنه مش عايز يدي شهادته في محكمة مفتوحة سواء كان موئيد للمتهم أو ضده لأنه عايز يرجع لسوريا في يوم من الأيام…. و بما أن شهادته مش هتكون مهمة جدا المحكمة فصدرت القرار بانها مش هتضغط عليه أنه يجي باستدعاء رسمي.
لسة في طلب واحد معلق من الدفاع لكن في احتمال كبير أن الاقرارات النهائية هتبتدي في يوم 2 ديسمبر و الحكم هيكون في أخر السنة دي أو بداية السنة الجديدة.
بالاضافة اللى كل ده، كان مفروض نسمع من شاهدة تانية يوم الخميس، و هي كانت دكتورة في مستشفى الهلال الأحمر اللي جنب فرع الخطيب مباشرة. . و لكنها ماجاتش، وخرجت من الاتحاد الأوروبي و ماحدش عارف هي فين دلوقتي.
فشهد موظف الشرطة الألمانية في مكانها عشان هو حقق معاها من قبل و كرر اللي قالتهوله:
قالت أنه من بداية الثورة، المخابرات قامت باحضار عدد كبير من المعتقلين المصابين الى المستشفى وكان اغلبهم من فرع الخطيب. قالت أن الشيء ده انتهى في منتصف سنة 2012 لأن من وقتها بدأو الدكاترة يروحوا بنفسهم للفرع عشان يعالجوا المعتقلين بدل ما يجوا همه للمستشفى.
ذكرت أنه كتير من المرضى المعتقلين كان عندهم أثار التعذيب في جسمهم. و افتكرت بنت عندها حوالي 16 أو 17 سنة و كان النصف الفوقاني من جسمها مليان كدمات، لكن ما كانش مسموح للدكتورة انها تكشف عليها كويّس. و كان ممنوع أنها تعالج المرضى أكثر من معالجة هيدروجينية و شوية مضادات حيوية. ...
ومن النقطة دي، هتركوا مع سليم، نور ونايا الي هيكلموكم عن موضوع الاطباء والمستشفيات في سوريا اكتر واكتر.
سليم: شكرا هنا على هالكم من المعلومات، الايام عم تمشي، وقريبا رح نعرف قرار المحكمة النهائي…
رح تسمعوا صوتي لاحقا بدبلجة لمقاطع من ضيف هاي الحلقة، وهلا بتركم مع نايا ونور بحلقة اليوم: أطباء النظام السوري: رعاية صحية أم عنف طبي؟
نايا: خلال الإجراءات يللي كانت عم تصير بمحكمة كوبلنز، كانوا القضاة عم يسألوا الشهود باستمرار عن موضوع الرعاية الطبيّة بفرع الخطيب، والصورة يللي تشكلت عندهم من الإجابات هي إنو الرعاية الطبية هنيك كانت "سوء معاملة" أكتر ما هي رعاية.
أحد الشهود كان طبيب بالفرع 251 وكانت مهمته العناية بصحة المعتقلين وهو شاف بعينو شو عم يصير بالناس هنيك سواء كانوا أحياء أو أموات.
نور: في شي فعلًا متناقض بموضوع وجود أطباء بمكان مصمّم لإيذاء الناس. في شخص اشتغل سبع سنين كحارس بفرع الخطيب، قال انو كان لازم يترجى رئيس الفرع كذا مرة لحتى يقدر يأمن حبّة مسكّن وحدة لشي سجين محتاجا.
نايا: طيب ليش في بالأصل أطبّاء هنيك؟ شو عم يعملوا بمركز اعتقال؟ وكيف وصلنا بالأساس لهي المرحلة؟ أي نوع من الأطباء هاد يلي بتتعمد إيذاء الناس؟!.
بداية
نور: بحلقة اليوم، رح نلقي نظرة سريعة على ملفّ كتير ضخم ومعقّد ويللي هو العنف الطبّي بسوريا.
نايا: العنف الطبّي هو عنف صامت، وشخصي، وسرّي.
صامت لإنو غالبًا بيكون نتيجة تقصير أو إهمال وعدم اكتراث.
شخصيّ لإنو الجاني أو الشخص يللي عم يعذبك بيكون بيعرفك عن قرب بشكل مباشر عميق وكتير حسّاس.
وسرّي لأن الجناة بيخفوا تمامًا الدلائل والآثار يللي بتدلّ عليه، يعني شي متل تبييض صفحة الجريمة ثم الادّعاء إنو هي الأشياء طبيعيّة وإنّو المعتقلين عم يموتوا بجلطات مثلًا أو ما شابه.
الجزء الأوّل: إنشاء قطّاع رعاية صحيّة حديث
التسييس
نور: نظام الرعاية الصحية بسوريا تم استغلاله من زمان لأغراض سياسيّة.
لما استلم حزب البعث السلطة بالستينات، الوضع ما كان مختلف. بهداك الوقت كانت المناطق الريفية و البعيدة عن المدن الكبيرة مهملة طبيا تماما، وهالشي لأنو انشغل على تهميشها بطريقة ممنهجة، متل إدلب ودرعا ومعظم المناطق السورية يلي الخدمات الطبية فيها قليلة أو حتى معدومة، لكن بنفس الوقت وبالمدن الكبيرة، كان في تركيز على وجود عدد كبير من المرافق الطبيّة الحديثة.
حزب البعث حاول يغيّر هالوضع مع مرور الوقت وبلّش يضخ موارد لإنشاء مرافق طبيّة بالأماكن المهمّشة والريفيّة، وبلّشت تظهر عيادات ومشافي بأماكن ما فيها هيك شي سابقًا، لكن طبعًا، وبشكل واضح، كان لازم تكون الفرق الطبية يلي بتداوم بهي الأماكن منتسبة لحزب البعث.
نايا: خطّة حزب البعث الطموحة لوضع حد لعدم المساواة الصحيّة بين هالأماكن ما كانت سيّئة فعلًا، لكن معالجة مشكلة عدم المساواة ما كانت هي الهدف بالحقيقة بقدر ما كانت فقط وسيلة لتحقيق غاية عند هالحزب، وهي التلاعب السياسي بالناس لكسب الشعبيه، ويللي أدّت لنتائج كارثيّة بكل معنى الكلمة سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة، متل تسييس قطّاع كامل كان من المفترض ينشغل عليه كتير ليكون غير مسيّس، مو بس هيك وكمان وضع خطوط آيديولوجية وطائفية لهالقطّاع، وبالتالي وكنتيجة حتميّة انتشر الاستقطاب والتمييز ضدّ المهنيين الطبيّين غير البعثيين داخل مجال الرعاية الصحيّة.
هلق بالبداية نحنا بالتأكيد منعرف إنوالسياسة بتأثر ع كل شي، وبتأثر على الطبّ والأطبّاء بكل مكان، و ما في نظام صحّي بالعالم ما بتأثر عليه التحيزات السياسية، لكن بسوريا الوضع أكثر خطورة، لأنو تم استغلال قطّاع الرعاية الصحيّة وتسييسه وتحويله لأداة ضغط بالإضافة لعسكرة هالقطاع، وكل هاد بيستحق منّا اهتمام خاص بهالأداة يللي عم تلعب دور كتير كبير لحد هي اللحظة ضمن منظومة الأسد المجرمة.
بسنة 1964 لغى حزب البعث رسوم الدراسة بكلية الطب، والدراسة صارت مجانية وفي كتير من الطلاب يلي درسوا طب وصاروا أطباء، إجا الوقت ليمارسوا مهنتهم، ويعالجوا الناس، ومنهم المتظاهرين ضد النظام. لكن النظام وصفهم بالخونة، واعتقلتهم أجهزته وحققت معهم واتهمهم بالخيانة لأنو اعترضوا على نظام علمهم ببلاش وأعطاهم فرص.
نور: أثناء حكم حافظ الاسد، الجهود المبذولة للتلاعب بقطّاع الصحّة صارت أكثر جرأة لدرجة إنو قَسَم الأخلاق المِهنيّة يللي عادة طلّاب الطبّ بيعملوه بس يتخرّجوا تحوّل وصار تحيّة حزب البعث نفسا. غير هيك مثلًا لمّا بيقدّم حدا على وظيفة بالمجال الصحيّ بتكون عضويّة حزب البعث أكتر أهميّة من المؤهلات العلميّة للمتقدّم، وكمان الأطباء الموالين للسلطة والحزب بياخدوا تمويلات أكتر مع كل امتيازات المنح الدراسيّة والمناصب الحكوميّة.
بالنتيجة وشو ما كانت طموحات الشخص يللي بهالمجال ففي حال ما كانت هالطموحات مترافقة بولاء شديد لحزب البعث فمن الأحسن نسيانا.
العسكرة
نايا: القصة هون مو عن التسييس فقط لكن كمان عن العسكرة يللي صارت لما النظام السوري زاد من وجود الجيش والعسكر بقطاع الرعاية الصحيّة، واشتغل على هادا الشي بدقة وصبر شديد.
يعني وإذا مو بالإكراه والإجبار فعلى الأقل تم إقناع المهنيين الطبيين وطلّاب الطبّ الطموحين بخدمة الجيش، لكن طبعًا وقبل كل شي لازم دائمًا التأكد من ولاءهم الأكيد والشديد للمعسكر الآيديولوجي للنظام البعثي.
الأطباء العسكريين انفرزوا مو بس على المستشفيات العسكرية، لكن كمان على السجون والأفرع الأمنيّة متل الفرع 251، والشي يللي عم نشوفو اليوم هو إنو بالفعل في عدد كبير من الأشخاص يلي بيشتغلوا بالأمن والجيش هم بالأساس أطباء، وأكيد ما لازم ننسى إنو الرئيس السوري بالأساس كان طبيب عيون.
نور: شوي شوي ومع الوقت، الجيش وأجهزة المخابرات الموجودة بكل مكان قدروا يعملوا نظام مراقبة متطور قدر يشمل كل جوانب الحياة بسوريا، وطبعًا ما كان قطّاع الرعاية الصحيّة استثناء عن هالشي، وداخل المستشفيات صار في إعادة إنتاج لخطوط الآيدولوجيات.
بالتمانينيّات زاد النظام من تهميش الأصوات يللي بيعتبرها معارضة بالقطاع الطبّي، وكان لازم الأطباء والممرضين وعمال النظافة والحرس يبلغوا المخابرات عن شي سمّوه "أنشطة مشبوهة" لزملائهم.
نايا: الأنشطة المشبوهة شملت العصيان، انتقاد الحكومة، الانتماء لحزب معارض، ورفض المشاركة بالانتخابات، كل هدول الشغلات وغيرن كانت تتصنّف على أنّها جرائم ممكن تسبب مشاكل كبيرة وحقيقيّة للأطباء والممرضين وكل العاملين بالقطاع الطبّي.
عام 2011 ولمّا بلّشت الثورة بسوريا، كانت إدارة القطّاع الطبّي هنيك مكوّنة بنسبة كتير كبيرة من مواليين للنظام، وكان هالقطاع متشابك ومرتبط بعمق مع الجيش وطبعًا مع حضور طاغي للأجهزة الأمنيّة. باختصار: القطّاع الصحيّ كان جاهز ومثالي ليلعب دوره بالمشاركة بالقتل.
صحيح هالقطاع كان أرض خصبة للتعذيب، لكن في كتير أطباء خاطروا بحياتهم لمساعدة المرضى، وعملوا كل شي بيقدروا عليه ليلتزموا بالمعايير الأخلاقية، وخاصة خلال الفترة يلي صار الشغل داخل المشافي كتير خطر، بوجود مظاهر التسييس والعسكرة يلي عم تزداد كل يوم.
التجريم
نايا: بشهر تمّوز من سنة 2012، ولمّا كانت الثورة باشدّ ايامها، ازدادت شدة الخطورة لمّا بشار الأسد قدّم قانون جديد وشامل لشي سمّاه مكافحة الإرهاب.
بمناطق سيطرة النظام صار علاج المتظاهرين يعتبر "عمل إرهابي"، وبالمناطق يللي مسيطرة عليها المعارضة كمان تم توصيف التعامل مع المدنيين هنيك بالإرهاب.
نور: لمّا بلّش تطبيق هالقانون، الخطر على الأطبّاء يللي كانوا حابين يضلوا عم يعالجوا المتظاهرين صار كتير كبير وحقيقي. وفقًا لمنظّمة أطبّاء من أجل حقوق الإنسان غير الحكوميّة "Physicians for Human Rights"، تم قتل وتصفية ما لا يقلّ عن 930 عامل بالمجال الطبّي بين عامي 2011 و 2021، السنوات الأربعة الأولى كانت أكتر شي خطرة ومميتة لأن المستشفيات نفسا يللي كانوا يشتغلوا فيها كانت تتعرّض للقصف والغارات الجويّة من جهة، و من جهة تانية بسبب تعرض الأطباء للاعتقال والتعذيب حتى الموت.
نايا: قانون مكافحة الإرهاب والعنف الشديد يللي اتمارس من خلاله، حطّ الأطباء تحت رحمة واقع كتير صعب، جبرهم للاختيار بين، البقاء وممارسة المهنة مع المخاطرة بالحياة، أو التوقف عن العمل وترك كتير ناس تحت رحمة نظام الأسد الدمويّ!
نور: بعض التقديرات بتقول إنو نسبة بين الـ10 وحتى الـ15 بالمية من العاملين بالمجال الطبّي وبما فيهن الطلّاب رفضوا التعامل مع النظام، تركوا وظائفهم أو دراستهم من دون ما يغادروا سوريا، لكنهم راحوا على أماكن تانية ممكن نقول عنها "تحت الأرض" ليحاولوا يبنوا شبكة من المرافق الصحيّة الموازية لمعالجة المتظاهرين المصابين.
وحاليا تقريبًا نصف عدد يللي بيشتغلوا بالمجال الطبّي طلعوا من سوريا، ويللي بقيوا إما صامتين تمامًا أو مواليين للنظام.
نايا: لحتّى ما نكون عم نعمم، لازم نقول إنو كتير من العاملين والعاملات بالمجال الطبّي بسوريا هم ضحايا للنظام.
الأطبّاء والممرضين والمسعفين يللي بقيوا عم يشتغلوا رغم الهجمات والقصف الجوي يللي ما هدي، عم يعملوا شي كتير مهم وأساسي لكن ضمن شروط وظروف كتير سيئة وصعبة.
بمقال بجريدة الغارديان سنة 2012، وَرَد اقتباس عن جرّاح عندو خبرة كبيرة بحمص اسمه أبو حمزة بيقول فيه:
"مرّة عالجت مريض بغرفة الطوارئ، تاني يوم بعتته يعمل صورة طبقي محوري لإنو عم يعاني من صدمة دماغيّة ما كانت عندو أوّل يوم لمّا عالجته، عرفت وقتا إنو عاملين معو شي بالليل، بعد يومين مات المريض متأثر بالصدمة الدماغيّة، بكمل ابو حمزة وبقول: الإصابات يللي عالجتا أنا أوّل يوم ما كانت كافية لتخليه يموت".
قصص متل قصّة أبو حمزة تستحق ينحكي عنها وينفردلا مساحات خاصة. ومع ذلك اليوم وبهي الحلقة رح نكتفي بالحكي عن الأطباء السيئين.. يللي حولوا مهاراتهم لأسلحة أذوا الناس فيها.
الجزء الثاني: العنف الطبّي من 2011 وحتّى الآن.
نايا: شكل العنف الطبّي من 2011 وحتّى الآن، والضرر والأذيّة فيه مختلف جدا، الأطبّاء يللي بيشتغلوا مع النظام فيهن يكونوا بالمستشفيات المدنيّة أو العيادات أو السجون أو مراكز الاحتجاز أو المستشفيات العسكرية أو فروع المخابرات، فيهن يكونوا مواليين غصب عنهم أو بكامل رضاهم، وممكن كمان يكونوا متورطين بالاستجواب والتعذيب ومكلفين بالتعامل مع الناس... وممكن ما يكونوا عم يعملوا كل هدول الشغلات على الإطلاق.
نور: قبل ما نفوت بالموضوع أكتر لازم نحكي أوّل شي عن تعريف العنف الطبّي، العنف الطبّي هو فئة من فئات العنف يللي بتعتمد على الاستخدام المنهجي لمهارات المهنيين الطبيين. كتير هادا العنف بيشبه على سبيل المثال فئة "العنف المنزلي"، لإنو التعريف بالمكانين ما بيحكي عن النوع المحدد من الضرر يللي بيصير أو عن الأساليب المستخدمة فيه أو عن السياق والديناميكية بين الجاني والضحيّة.
نايا: كمان الموضوع مو بس عن ارتكاب الجرائم بشكل مباشر، لكن أيضًا عن الإشراف والمراقبة وتيسير هي الجرائم، كل هدول إسمهم عنف طبّي.
مثلًا، في حالات كتير كتبوا فيها الأطباء تقارير كاذبة عن المعتقلين يللي عم يموتوا، بالإضافة إلى أنو عدم قدرة الأطباء على التحقيق بالسبب الحقيقي للوفاة يصنف كعنف طبّي كمان.
نور: العنف الطبّي بشكل عام هو فئة فريدة من نوعها، لإنو بيدور حول هويّة وأفعال الممارسين لمهنة الطبّ، يعني الموضوع أكتر من مجرّد كونو فعل بل ممكن نشوفه كقرار سياسي بيخليّ الأطباء المجرمين يمشوا بطريق التعذيب والقتل، وكل خطوة بهالطريق بتحتاج طبعًا للمعرفة والمهارات الطبيّة.
نايا: بما إنو العنف الطبي مصطلح واسع وممارسة منتشرة بسوريا، يمكن لازم نخصص بكلامنا شوي، وحاليا رح نركز على دور المهنيين الطبيّين بالسجون وفروع المخابرات متل الفرع 251.
نور: قبل ثورة 2011، كان دور الأطبّاء بالسجون محدود، وعادةً كانت مهمّتهم مراقبة المعتقلين والتدخّل فقط لما لازم يخلوهن على قيد الحياة أثناء استجوابهم وتعذيبهم.
نايا: بالحقيقة، بكتير من الأحيان، الشي يللي ما بيعملوه الأطباء ممكن يكون مميت متل الشي يللي بيعملوه، متل حرمان المعتقل المصاب أو المريض من الرعاية، هو فعل قادر يخلي أصغر وأبسط إصابة تصير إصابة خطرة وقاتلة.
جمع المعلومات عن صحة المعتقل يعتبر إجراء معياري، يعني إلو قواعد وبتكرر دائما وإلو شروطو وقوانينو، لهيك وبالعادة أطباء السجن بيكون عندهم فكرة مسبقة عن صحة المعتقلين والظروف يللي هم فيها، هي المعلومات مهمة جدًا ويمكن استغلالا بسهولة شديدة.
مثلًا، إذا أحد المعتقلين عندو ربو، الدكتور بيكون عندو دراية تامة إنو هالمعتقل بحاجة لعلاج ولظروف معيشية معينة، بس من خلال هالشي وهي المعرفة، ممكن الطبيب يسلّم المسؤولين عن الاستجواب سلاح غير مرئي ومصمّم تمامًا لهادا السجين المحدد. يعني ليش لحتّى تعذّب حالك وتضرب سجين ما لما يكون فيك تعذبو بنفس القدر من السوء بس من خلال حرمانو من الرعاية الطبيّة؟
نور: هي الممارسات كلها مقصودة وممنهجة كأداة فعّالة للنظام، وما زال الإهمال الطبّي مثلًا هو أحد أكتر أشكال العنف الطبّي شيوعًا بفروع المخابرات. من سنة 2011 الأطباء لعبوا دور كبير وحقيقي بهي الفروع، مع الأخذ بعين الاعتبار إنو كل فرع مختلف عن التاني حتى بطرق التعذيب، ببعض الفروع الأطباء بيتعاملوا بإهمال وبيقدموا أدنى حد من الرعاية، بينما بفروع تانية الأطباء ممكن كمان يشاركوا بالتعذيب، وبغير فروع ما في أطباء على الإطلاق.
الاقتباس التالي من مريض تم فحصو لحظة دخولو عالفرع:
"غطولي عيوني وشلحوني تيابي وبعدين اتصلوا بالدكتور، الدكتور ما حكاني، لمس أطرافي وصدري بعدين ضغط على بطني وقال: عضلاتو قويّة، بلّش بتلاتة".
نايا: تلاتة هو رقم بيعبّر عن مستوى شدة التعذيب، هيك شاف الدكتور إنو هادا المستوى مناسب لهادا المعتقل.
في تقارير عن أطباء بيعذبوا المعتقلين كمان، الناس يللي نجت من الفروع ومراكز الاعتقال حكت قصص بتخوّف عن دكاترة بيعذبوا وبيقتلوا المعتقلين بالفروع والمراكز الأمنية بشكل فعلي.
بشكل عام، يللي منعرفو إنو الأطباء بالمعتقلات صنعوا ظروف بتزيد من احتمالات الوفاة لكتير من المعتقلين يللي ماتوا بمراكز الاعتقال، مو بسبب عدم وجود أطباء، على العكس، لأنهم موجودين.
بالنسبة للقتلة والمجرمين بسوريا، ما كان الإهمال والعنف الطبّي رخيص الثمن بس، لكن أيضًا كان شكل كتير فعّال من أشكال التعذيب النفسيّ. بحلقتنا عن العنف الجنسيّ ناقشنا بالفعل كيف الجناة عم يرتكبوا هالجرائم وكأنهم عم يصيبوا عصفورين بحجر واحد من خلال الضغط النفسي والعاطفي يللي بيكسر المعتقل بشكل حقيقيّ مع أقلّ جهد وفعل من جهة الشخص يللي عم يعذبو ويحقق معو.
نور: هي الديناميكيّة منشوفا بسياق العنف الطبّي بسوريا كمان.
العلاقة بين المريض والطبيب أو الممرض هي علاقة كتير خاصّة وحميميّة، بيكون الطبيب بهالحالة شخص بيعرف كتير عنّك وبيعرف حتّى معلومات شخصيّة خاصّة ومن المفترض يكون شخص موثوق بيهتم فيك وبينفذ القَسَم الأخلاقي تبعو من خلال معالجتك بأفضل طرق بيعرفا.
هادا الشي بيخلينا نتساءل إنو كيف بيتحوّل الموضوع مع هدول الأطباء لحتى يصير فيهن انن يرتكبوا كل هالجرائم؟
الجزء الثالث: المنفّذون
نور: منشان هادا الموضوع نحنا حكينا مع السيّد أوور أوميت أونگار، أستاذ دراسات الهولوكوست والإبادة الجماعيّة بأمستردام، وأحد المشاركين بكتابة "الغولاك السوري: سجون الأسد 1970-2022"، ويللي بيناقش القوّة الهائلة يللي بيتمتّع فيها الأطباء في سياق نظام السجون السوري. وللتعريف فقط بكلمة غولاك فهي بالأساس كلمة روسيّة ظهرت بعهد ستالين كاختصار لـ"المديرية الرئيسيّة للمعسكرات"، وبتدل على نظام العمل القسري بالمعتقلات.
أوور أوميت أونگار: بداية، وقبل كل شي، كحكومة استبداديّة، نظام الأسد دائمًا بيطمح إنو يضل ممتلك ومسيطر على قسم كبير من المهن الحِرَفيّة بالبلد وعلى القوى العاملة فيها، وهادا الشي ما بيشمل بس الأطبّاء لكن أيضًا الصحفيين والفلاحين والمحامين وغيرهم، يعني عندو رغبة إنّو يسيّس قطّاعات مِهنيّة مُعيّنة ويخليهم من دوائرو الخاصة بحيث يكون ولاءهم وانتماءهم للنظام أوّلًا قبل أيّ انتماء آخر حتّى لمِهنهم وأشغالهم.
واحد من العوامل المهمّة الأُخرى يللي ساعدت بحشد ودفع الأطبّاء بسوريا إنّو يكون عندن قابليّة لارتكاب جرائم خطيرة وضدّ الإنسانيّة هو استغلال النظام بدايةً من سبعينيّات وتمانينيّات القرن الماضي للموضوع الفِئوي والمَناطقي والطائفي بسوريا، بحيث بهداك الوقت بلّش الارتفاع التدريجي لأعداد الأطباء القادمين من بيئات دينيّة عَلويّة وغالبًا موالية كتير لنظام الأسد. هدول الخريجين يللي صاروا "أطباء عسكريين" بالفعل، سيطروا تقريبًا هداك الوقت على هي المهنة بسوريا